حول التعددية القانونية في العالم العربي
من بين الدراسات التي أُعدّت حول التعددية القانونية في العالم العربي[1] الدراسة التي تمخّضت عن مؤتمر دولي عقد عام 1996 حول "التعددية القانونية"، والذي حضره عدد من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيين وفقهاء القانون والمحامين. وتحتل التعددية موضعاً مركزياً بالنسبة للدراسات الاجتماعية القانونية. وفي هذا الإطار، تعرض هذه الدراسات المحاولات النظرية التي بُذلت لتعريف التعددية القانونية وتستعرض بعض دراسات الحالة، بما فيها دراسات أُعدت حول فلسطين. وتحتوي مقدمة الكتاب على تعريف هذه التعددية القانونية من منظورين اثنين:
تشير التعددية القانونية من وجهة نظر المشتغل بالقانون إلى إقرار الدولة بتعدد المصادر القانونية التي تؤلف التشريعات التي تصدرها؛ وهي عبارة عن المعاهدات الدولية والقوانين العرفية والقوانين الدينية، وغيرها...
وفي الدراسات الاجتماعية القانونية، تعني تعددية القانون تعدد المجالات والإجراءات والمعايير الاجتماعية التي تتفاعل مع بعضها البعض بصورة جزئية. وهي تتضمن حرمان الدولة من صفتها طرفاً اجتماعياً (في مقابل مكوناتها المتعددة)، وبالتالي عدم اعتبارها مجرد جهة تحتكر إنتاج القانون، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر." (ص. 11).
تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة فصول، يحمل الفصل الأول منها عنوان "التعددية القانون وتعددية المعايير والعالم العربي"، وهو يشتمل على مقالات عامة حول التعددية القانونية. أما الفصل الثاني فهو بعنوان "المنظور المقارن" ويعرض دراسات حالة مقارنة. ويتطرق الفصل الأخير إلى التعددية القانونية في مصر.
في التمهيد لهذا الكتاب، يستعرض جون جريفيث، وهو أحد الروّاد في دراسة التعددية القانونية، النقاشات الدائرة حول فكرة التعددية القانونية. ومرة أخرى، يتعرض مفهوم القانون الذي يحدده المشتغلون به للنقد: "لم تكن المشكلة المتعلقة بوجهات النظر التقليدية التي يحملها المشتغلون بالقانون (والعديد من علماء الاجتماع) تكمن في أن كلمة ’القانون‘ كانت مقيَّدة بالهيمنة الاجتماعية التي تمارسها الدولة، بل إن هذه المشكلة تتمثل في الادعاء (الذي كان ضمنياً في جانب كبير منه ولم يحظى بالتفكير المليّ فيه) بأن ’القانون‘ بهذا المفهوم – إن كان له أن يعتبر نوعاً من أنواع الهيمنة الاجتماعية – يمثل نوعاً خاصاً ومستقلاً عن المجالات الأخرى، بل ويسود عليها. وقد جرى الافتراض بأنه يمكن دراسة القانون وفهمه باعتباره ظاهرة اجتماعية بحد ذاته وباستخدام المصطلحات التي يستخدمها هو" (ص. 12).
وتتضمن المقدمة إشارات إلى عالميْن بارزيْن شجّعا المفكرين الآخرين على الخروج بنظريات حول التعددية القانونية، وهما رأي النمساوي اويجين إيرليخ بشأن المجتمع بصفته "ارتباطات اجتماعية" متباينة، ورأي سالي مور حول "الحقول الاجتماعية شبه المستقلة". وترتبط وجهة النظر الأخيرة بأفكار بورديو حول "الحقول". وبحسب وصف محرري الكتاب، "تمثل هذه الحقول مجالات اجتماعية تمتلك الإمكانيات المعيارية والتنظيمية التي تختص بها دون غيرها، وهي قادرة بذلك على فرضها على أعضائها. وفي ذات الوقت، تندرج تلك المجالات الاجتماعية شبه المستقلة ضمن إطار اجتماعي أكبر يستطيع التأثير عليها عن طريق الفعل الصادر من داخل أو خارج الحقل الاجتماعي شبه المستقل ذاته. ويمكن تلخيص النتائج التي خرجت بها مور على النحو التالي: أولاً، لم تكن التشريعات الخارجية تمتلك الأثر الذي يُفترض أنها ستملكه، وهي لن تستطيع أن تمتلكه كذلك. وثانياً، يستدعي أي تحليل للمجالات قبل أي شيء آخر تحليل البنى الاجتماعية؛ و"في هذا السياق النظري، يتحول القانون إلى تنظيم ذاتي لكل حقل من الحقول الاجتماعية شبه المستقلة." (ص. 12).
وتمثل التعددية القانونية أداة مفيدة تستخدمها الدراسات الاجتماعية القانونية. ولكن وفق ما تشير إليه سلسلة المقالات التي يعرضها الكتاب المذكور، لا توجد نظرية واحدة حول التعددية القانونية، وإنما هناك نظريات متعددة. بل تمثل هذه التعددية القانونية منهجاً يكيّف أسسه النظرية مع كل دراسة حالة على حدة. فعلى سبيل المثال، يوظف برنارد بوتيفو في الفصل الذي ألّفه حول فلسطين مفهوم "التعددية الداخلية التي يتسم بها قانون الدولة".
ويحمل الفصل الذي كتبه بوتيفو عنوان "القانون الفلسطيني: التقسيم الاجتماعي مقابل المركزية". في هذا الفصل، يعتبر بوتيفو أن القوانين الفلسطينية فريدة في وضعها، وهي توصف في المقام الأول من ناحية تعدديتها وتنوعها. ومع أن الدولة الفلسطينية لما تقم بعد، فقد حقق الفلسطينيون قدراً من التنظيم الاجتماعي يستطيعون من خلاله إصدار قوانينهم الخاصة بهم. ولكن التحديات جمة؛ فهناك ازدواجية في التشريع بسبب الانفصال القائم بين قطاع غزة والضفة الغربية. كما يتسم قانون الدولة الفلسطيني بصعوبة انسجامه. وعلاوةً على ذلك، يتعين على المرء دراسة الازدواجية القانونية المترتبة على وجود القوانين الدينية جنباً إلى جنب مع القوانين الوضعية. ولذلك، فالتحدي الذي يواجه سنّ التشريعات الفلسطينية وتوحيدها كبير، "حيث يوصف السياق الذي تعمل فيه القوانين الفلسطينية بالتنوع وبمقاومة التوحيد".
ولذلك، يبدو أن التعددية القانونية تمثل أداة مفاهيمية مفيدة في وصف الوضع الفلسطيني. وتكتسب مسألة التشريعات الفلسطينية في سياق بناء الدولة والسعي نحو الاستقلال أهمية قصوى؛ فإعداد تشريعات فلسطينية موحدة يرتبط في نهاية المطاف بما يسميه بوتيفو "السعي وراء الهوية الفلسطينية". وتواجه السلطة الفلسطينية في مساعيها الهادفة لخلق الانسجام بين التشريعات ومركزتها صعوبات ترتبط بالتوفيق بين ثلاثة مناهج قائمة وجمعها مع بعضها البعض:
1) رؤية الدولة التي تقوم على أساس الشريعة؛
2) ورؤية الدولة التي تفضّل المبادئ الديموقراطية؛
3) والرؤية التي تهدف إلى إنشاء دولة قومية عربية.
ويصرّ بوتيفو على أهمية ما يدعوه "المجال المعياري الذي لا تمثله الدولة الذي تتولى فيه أطراف غير الدولة، من قبيل المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال القانون، إعداد الأنظمة.
تشير التعددية القانونية من وجهة نظر المشتغل بالقانون إلى إقرار الدولة بتعدد المصادر القانونية التي تؤلف التشريعات التي تصدرها؛ وهي عبارة عن المعاهدات الدولية والقوانين العرفية والقوانين الدينية، وغيرها...
وفي الدراسات الاجتماعية القانونية، تعني تعددية القانون تعدد المجالات والإجراءات والمعايير الاجتماعية التي تتفاعل مع بعضها البعض بصورة جزئية. وهي تتضمن حرمان الدولة من صفتها طرفاً اجتماعياً (في مقابل مكوناتها المتعددة)، وبالتالي عدم اعتبارها مجرد جهة تحتكر إنتاج القانون، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر." (ص. 11).
تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة فصول، يحمل الفصل الأول منها عنوان "التعددية القانون وتعددية المعايير والعالم العربي"، وهو يشتمل على مقالات عامة حول التعددية القانونية. أما الفصل الثاني فهو بعنوان "المنظور المقارن" ويعرض دراسات حالة مقارنة. ويتطرق الفصل الأخير إلى التعددية القانونية في مصر.
في التمهيد لهذا الكتاب، يستعرض جون جريفيث، وهو أحد الروّاد في دراسة التعددية القانونية، النقاشات الدائرة حول فكرة التعددية القانونية. ومرة أخرى، يتعرض مفهوم القانون الذي يحدده المشتغلون به للنقد: "لم تكن المشكلة المتعلقة بوجهات النظر التقليدية التي يحملها المشتغلون بالقانون (والعديد من علماء الاجتماع) تكمن في أن كلمة ’القانون‘ كانت مقيَّدة بالهيمنة الاجتماعية التي تمارسها الدولة، بل إن هذه المشكلة تتمثل في الادعاء (الذي كان ضمنياً في جانب كبير منه ولم يحظى بالتفكير المليّ فيه) بأن ’القانون‘ بهذا المفهوم – إن كان له أن يعتبر نوعاً من أنواع الهيمنة الاجتماعية – يمثل نوعاً خاصاً ومستقلاً عن المجالات الأخرى، بل ويسود عليها. وقد جرى الافتراض بأنه يمكن دراسة القانون وفهمه باعتباره ظاهرة اجتماعية بحد ذاته وباستخدام المصطلحات التي يستخدمها هو" (ص. 12).
وتتضمن المقدمة إشارات إلى عالميْن بارزيْن شجّعا المفكرين الآخرين على الخروج بنظريات حول التعددية القانونية، وهما رأي النمساوي اويجين إيرليخ بشأن المجتمع بصفته "ارتباطات اجتماعية" متباينة، ورأي سالي مور حول "الحقول الاجتماعية شبه المستقلة". وترتبط وجهة النظر الأخيرة بأفكار بورديو حول "الحقول". وبحسب وصف محرري الكتاب، "تمثل هذه الحقول مجالات اجتماعية تمتلك الإمكانيات المعيارية والتنظيمية التي تختص بها دون غيرها، وهي قادرة بذلك على فرضها على أعضائها. وفي ذات الوقت، تندرج تلك المجالات الاجتماعية شبه المستقلة ضمن إطار اجتماعي أكبر يستطيع التأثير عليها عن طريق الفعل الصادر من داخل أو خارج الحقل الاجتماعي شبه المستقل ذاته. ويمكن تلخيص النتائج التي خرجت بها مور على النحو التالي: أولاً، لم تكن التشريعات الخارجية تمتلك الأثر الذي يُفترض أنها ستملكه، وهي لن تستطيع أن تمتلكه كذلك. وثانياً، يستدعي أي تحليل للمجالات قبل أي شيء آخر تحليل البنى الاجتماعية؛ و"في هذا السياق النظري، يتحول القانون إلى تنظيم ذاتي لكل حقل من الحقول الاجتماعية شبه المستقلة." (ص. 12).
وتمثل التعددية القانونية أداة مفيدة تستخدمها الدراسات الاجتماعية القانونية. ولكن وفق ما تشير إليه سلسلة المقالات التي يعرضها الكتاب المذكور، لا توجد نظرية واحدة حول التعددية القانونية، وإنما هناك نظريات متعددة. بل تمثل هذه التعددية القانونية منهجاً يكيّف أسسه النظرية مع كل دراسة حالة على حدة. فعلى سبيل المثال، يوظف برنارد بوتيفو في الفصل الذي ألّفه حول فلسطين مفهوم "التعددية الداخلية التي يتسم بها قانون الدولة".
ويحمل الفصل الذي كتبه بوتيفو عنوان "القانون الفلسطيني: التقسيم الاجتماعي مقابل المركزية". في هذا الفصل، يعتبر بوتيفو أن القوانين الفلسطينية فريدة في وضعها، وهي توصف في المقام الأول من ناحية تعدديتها وتنوعها. ومع أن الدولة الفلسطينية لما تقم بعد، فقد حقق الفلسطينيون قدراً من التنظيم الاجتماعي يستطيعون من خلاله إصدار قوانينهم الخاصة بهم. ولكن التحديات جمة؛ فهناك ازدواجية في التشريع بسبب الانفصال القائم بين قطاع غزة والضفة الغربية. كما يتسم قانون الدولة الفلسطيني بصعوبة انسجامه. وعلاوةً على ذلك، يتعين على المرء دراسة الازدواجية القانونية المترتبة على وجود القوانين الدينية جنباً إلى جنب مع القوانين الوضعية. ولذلك، فالتحدي الذي يواجه سنّ التشريعات الفلسطينية وتوحيدها كبير، "حيث يوصف السياق الذي تعمل فيه القوانين الفلسطينية بالتنوع وبمقاومة التوحيد".
ولذلك، يبدو أن التعددية القانونية تمثل أداة مفاهيمية مفيدة في وصف الوضع الفلسطيني. وتكتسب مسألة التشريعات الفلسطينية في سياق بناء الدولة والسعي نحو الاستقلال أهمية قصوى؛ فإعداد تشريعات فلسطينية موحدة يرتبط في نهاية المطاف بما يسميه بوتيفو "السعي وراء الهوية الفلسطينية". وتواجه السلطة الفلسطينية في مساعيها الهادفة لخلق الانسجام بين التشريعات ومركزتها صعوبات ترتبط بالتوفيق بين ثلاثة مناهج قائمة وجمعها مع بعضها البعض:
1) رؤية الدولة التي تقوم على أساس الشريعة؛
2) ورؤية الدولة التي تفضّل المبادئ الديموقراطية؛
3) والرؤية التي تهدف إلى إنشاء دولة قومية عربية.
ويصرّ بوتيفو على أهمية ما يدعوه "المجال المعياري الذي لا تمثله الدولة الذي تتولى فيه أطراف غير الدولة، من قبيل المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال القانون، إعداد الأنظمة.
[1] Dupret Baudouin, Maurits Berger and Laila al-Zwaini (eds.), Legal pluralism in the Arab World, Kulver Law International, 1999.
No comments:
Post a Comment