Thursday 27 December 2012

إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام: وثيقة بديلة أم تكميلية؟

هل يشكل إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام بديلاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أم أنه مجرد وثيقة تكمّله وتسهم في تعزيز فهم الإعلان لحقوق الإنسان وتضيف بعدًا جديدًا للحوار الدائر حول حقوق الإنسان والإسلام.
يفترض البعض أن إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام يقوض الصفة العالمية التي تكتسبها حقوق الإنسان الدولية بحسب ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وللوقوف على هذه المزاعم، نستعرض فيما يلي تحليلاً للأحكام التي يشملها إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام.
تبنت جميع الدول الإسلامية تقريبًا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باستثناء المملكة العربية السعودية. ومع مرور الوقت، أدركت البلدان الإسلامية ضرورة التأكيد على هويتها الثقافية والدينية على الساحة الدولية. وقد نشأ هذا الإدراك في ضوء استشراء المواقف المتشائمة الذي سادت العالم الإسلامي تجاه القانون الدولي بصفة عامة وحقوق الإنسان بصفة خاصة.
وحيث باتت البلدان الإسلامية أكثر وعيًا بقضية حقوق الإنسان، اعتمدت 45 دولة من الدول الأعضاء في منظمة مؤتمر العالم الإسلامي إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام في يوم 5 آب/أغسطس 2008. وأضحى هذا الإعلان يشكل ‘توجيهًا للدول الأعضاء في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان’. فقد دعت إيران، وبدعم من عدة دول إسلامية أخرى، إلى قبول الإعلان المذكور باعتباره بديلاً عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك في المؤتمر الدولي حول حقوق الإنسان الذي انعقد في فينّا خلال العام 1993. وقد تم تحقيق هذا الهدف بصورة جزئية في العام 1997 عندما أدرج مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان هذا الإعلان في خاتمة كتاب "حقوق الإنسان: مجموعة صكوك دولية، الجزء الثاني، صكوك إقليمية" (نيويورك وجنيف، 1997، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، جنيف).
ويتخذ إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، في كل فقرة من فقرات ديباجته وفي كل مادة من مواده الخمس والعشرين، الفلسفة الإسلامية قاعدة يرتكز عليها ويعتمدها كمصدر من المصادر التي يستقي منها أحكامه. فعلى سبيل المثال، تنص المادتان (24)[1] و(25)[2] من هذا الإعلان على أن جميع الحقوق والحريات الأخرى الممنوحة بموجب التشريعات المحلية أو القانون الدولي مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية. ويبدو أن التباسًا يشوب إعلان القاهرة في المواضع التي يتطرق فيها إلى الدين الإسلامي وأحكام الشريعة، حيث يقر بجملة من الحقوق ‘في إطار الشريعة’ (المادة 12)، أو يجعل من ممارستها أمرًا مباحًا ‘بالطرق الشرعية’ (المادة 15) أو بالطرق التي لا تتنافى مع أحكام الشريعة (المادة 16).
ولذلك، يعبّر الإعلان عن بعض الأحكام، كما جاء في المادة (10) التي تتناول حرية الوجدان، بطريقة تؤكد على أن حرية المرء لا يجوز أن تحيد عن الإسلام، حيث يقرر أن الإسلام هو دين الفطرة.[3] ومع أن الإعلان ينص على حرية التعبير عن الرأي في المادة (22) منه، فهو يفرض القيود من خلال نص هذه المادة نفسها، حيث تقرر أنه "لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية".[4] وفضلاً عن ذلك، لا يشير الإعلان في أحكامه، من قريب أو بعيد، إلى المساواة بين المسلمين وغير المسلمين. ومع أن مسألة المساواة بين الرجل والمرأة، التي تذكرها المادة (6)، تنص على أن "المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية"، فهذا لا يعني بالضرورة أنهما متساويان في الحقوق. ولذلك، يبقى موقف الإعلان تجاه قضية المساواة بين المرأة والرجل يلفه الغموض والضبابية.
اذا تمعنا في أحكام إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام التي ذكرناها أعلاه فان هذا الإعلان يقيد ويحجّم بعض الحقوق التي يقررها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعلاوةً على ذلك، يبدو أن إعلان القاهرة يقوض الصفة العالمية التي تكتسبها حقوق الإنسان الدولية بتقريره تقييدها بأحكام الشريعة الإسلامية. وقد افترض البعض أن هذا الوضع يعطي القارئ انطباعًا بأن إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام يُعَدّ بديلاً عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
يمثل إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، في جوهره، بيانًا مرجعيًا تحركه دوافع سياسية من جانب الدول الإسلامية للدلالة على أنها تملك وثيقة لحقوق الإنسان كذلك. وينظر الكثيرون إلى هذا الإعلان على أنه يشكل ردًا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولهيمنة الغرب على خطاب حقوق الإنسان. ومع ذلك، فمن الجدير بالذكر أنه على الرغم من أن جميع الدول الأعضاء في منظمة مؤتمر العالم الإسلامي صادقت على إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، فهو لا يأخذ في عين الاعتبار التنوع في الآراء التي يزخر العالم الإسلامي بها. بل يفترض البعض أن هذا الإعلان يمثل وجهة النظر المحافظة التي ترى ‘أسلمة’ حقوق الإنسان. ومن المعقول، بناءً على هذه الفرضية، مقاومة أي محاولة تُبذل لمنح وضع متساوٍ لإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.



[1]  المادة (24) من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام.
[2] المادة (25) من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام.
[3]  المادة (10) من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام.
[4]  المادة (22) من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام.


No comments:

Bethlehem

Bethlehem