Friday 28 December 2012

الدين والدولة علاقة جدلية عبر محطات تاريخية مختلفة - جميل سالم ونرمين صيام

بات من المعروف حجم الصراع الذي دار حول تاريخ الدين في الغرب، وحول العلاقة بين رجال الدين ونفوذهم المطلق على مناحي الحياة المختلفة، وبين تيارات التحرر من هذه الهيمنة الدينية القسرية، والتي أفضت الى المناداة بفصل الدين عن الدولة أو ما يسمى "بالعلمانية".
 
 
والناظر لعدد من التوجهات الفكرية حول علاقة الدين بالدولة أو علاقته بالسياسة، يراها خليطًا من التوجهات المختلفة والتي لم تحسم الى عصرنا هذا، حيث برز تيار تقليدي ينادي ويعتقد بضرورة سيطرة وهيمنة الدين على الدولة، بجعله المصدر الأساسي والذي يسمو على باقي القوانين الحياتية، وتيار آخر علماني ديمقراطي ذهب الى ضرورة التخلص من هيمنة الدين على الدولة والفصل بينهما، واستقر الرأي العام لدى مفكري الغرب على ضرورة أن تخضع الكنيسة للدولة وأن تلتزم السلطة الروحية بقوانين السلطة الزمنية، بالمقابل على الدولة أن لا تتدخل في شؤون الكنيسة كما ذهب إلى ذلك توماس هوبز وروسو وغيرهم.
وخلصت العديد من الدراسات الى أن العلاقة بين الدولة والجماعات الدينية باتت تشكل أحد أهم القضايا الشائكة في أي مجتمع، حيث أن توظيف الدين سياسيًا من قبل الدولة سيدفعها حتمًا إلى التصادم مع توجهات هذه التيارات الدينية وأهدافها، ويزداد الأمر تشابكًا إذا كان الدين يحتل موقعًا هامًا في المجتمع، وخاصة بعد إجتياح ظاهرة العلمنة العديد من دول العالم، والتي أفرزت أنماط حكم وتيارات دينية متنوعة تتفاوت في إعمالها لقاعدة أن المجتمعات التي تسودها نزعة ديمقراطية لا بد أن تسودها بالضرورة ميل إلى فصل الدين عن الدولة، بغض النظر عن واقع حقوق الإنسان المغاير الذي قد تعيشه هذه الدول.
 
تُمثِل هذه الورقة بمثابة مراجعة لأهم الأدبيات التي تناولت موضوع علاقة الدين بالدولة، فهي دراسة استعراضية لواقع هذه العلاقة وأنماط تشكلها المختلفة.
وعلى الرغم من أن العلاقة القائمة بين الدساتير وحقوق الإنسان والإسلام استقطبت اهتمام العديد من فقهاء القانون، فإن الجدل الذي تناول هذه القضية أثار مسائل نظرية وعملية لم تزل بحاجة إلى سبر غورها والإجابة عنها. وحيث يتبنى العالم ما بعد الحداثي مجموعة متعددة ومتنوعة من الآراء ووجهات النظر حول العلاقة بين الدساتير وحقوق الإنسان والشريعة الإسلامية، فسوف تسعى هذه الورقة في إلى الوقوف على الأبعاد ووجهات النظر المختلفة التي تحوم حول هذه المسألة وإلى البحث عن قاعدة مشتركة في خضمّ هذا التنوع والتعدد، وتجنُّب التصادم بين المدارس والمذاهب السائدة في هذا المجال.
تنبع أهمية هذه الورقة من تركيزها على إشكالية دور الدين في السياسة وعلاقته مع الدولة وأثره على منظومة حقوق الانسان وصياغتها وتضمينها بالدساتير الحديثة، وذلك في ظل التغيرات والتحولات السياسية والقانونية التي تعيشها الدول العربية إبان ثورات "الربيع العربي"، موضحين التحديات التي تعيشها هذه الدول في أيامنا هذه على المستوى القانوني والسياسي والديني، وخاصة أن الخطاب الديني أصبح له حضور واضح في المجال العام في هذه الدول إبان الثورة، مشيرين الى سبب القلق الذي يثيره هذا الحضور على المستوى السياسي والاجتماعي والدستوري، من خلال توضيح المؤشرات والتداعيات التي ترسم مستقبل مسيرة هذه الدول نحو التحول الديمقراطي المنشود، محاولين تفسير آثار تضمين الشريعة في الدستور وجعلها المصدر الرئيسي للتشريع والتوافق الذي يحققه مع منظومة حقوق الانسان المحلية والدولية.
تندرج ورقة البحث هذه ضمن ثلاثة محاور. يستعرض المحور الأول منها السياق التاريخي لنشوء العلمانية، من خلال استعراض تطور هذه الظاهرة خلال محطات تاريخية مختلفة أدت الى التغيير من سماتها وأنماطها. ويتضمن المحور الثاني تحليلاً للمواقف التي يتبناها مختلف الباحثين حول العلاقة السائدة أو المتخيلة بين حقوق الإنسان والشريعة الإسلامية، والذين يتفاوتون في آرائهم من المحافظين التقليديين إلى أصحاب المبادئ الإنسانية في العالمين العربي والإسلامي. ويتطرق المحور الثالث الى إشكالية العلاقة بين الدين والدولة وانعكاسها على الدساتير ومسودة الدستور الفلسطيني. وتستشرف خاتمة هذه الورقة محاولة لإستكشاف إمكانية إيجاد صيغة توفيقية بين الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان من خلال إعادة تقييم وجهات النظر والآراء السائدة حول هذه المسألة.
 
سيتم نشر الورقة في بداية العام 2013 في كتاب حول الدين وحقوق الإنسان والتحولات الدستورية في العالم العربي.


 


No comments:

Bethlehem

Bethlehem